د. عاطف عباس: "الدهاء التكنولوجي" يأتي بين المهارات الأكثر طلبًا في قطاع التكنولوجيا مستقبلاً

image

كيف سيكون المستقبل التكنولوجي لدولة الإمارات؟ كيف ستفتح الرقمنة الأبواب لفرص عمل جديدة؟ كيف يمكن للمهنيين تطوير مهاراتهم التقنية؟

اعثر على إجابات لجميع الأسئلة التي قد تخطر ببالك عند التفكير في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي من الدكتور عاطف عباس، استشاري التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لأكثر من عشرين عامًا.

داخل كل من الإمارات السبع في الإمارات العربية المتحدة، هناك تطبيقات واضحة للرقمنة والتحول الرقمي. في دبي، على سبيل المثال، لديهم استراتيجية دبي الذكية 2021. كيف تعتقد أن هذا سيؤثر على مستقبل الدولة، وما المهنيين الذين يمكنهم التكيف مع القواعد والمعايير الجديد؟

تمكنت دولة الإمارات من وضع يدها على مفتاح الاقتصاد الرقمي لما تتمتع به من قدرات هائلة لتسخير التكنولوجيا في إدارة اقتصادها وخدماتها. لكن، الأكثر دقة هو أن دولة الإمارات تمتلك هذا المفتاح من 20 سنة. بدأت الدولة بتأسيس مدينة دبي للإنترنت وما تلاها من مشروعات مشابهة حيث تنبأت بالتأثير الهائل للتقنيات في رسم طريق المستقبل فسبقت غيرها في التحولات التقنية في جميع القطاعات. وأصبحت دولة الإمارات نموذج ودولة قيادية وقوة رقمية إيجابية تشارك في صياغة مستقبل العالم وليس مستقبلها فقط بدليل أن الخدمات الحكومية بدولة الإمارات كانت تعمل مع ذروة الجائحة بنسبة 100% .وجاءت الجائحة الفيروسية لتؤكد حاجة العالم إلى التعاون الوثيق لمواجهة الأخطار وحل الأزمات. وكان أول درس للأزمة هو ظهور قيمة الرقمنة لتجاوز التحديات.

أما عن المهنيين ممن يمكنهم التكيف مع القواعد والمعايير الجديدة، تؤدي عمليات الرقمنة إلى استبدال المهام الأساسية والروتينية ضمن الكوادر البشرية للشركات، مما يتيح لمن شغلوا هذه المهام سابقًا فرصة صقل مهاراتهم وتطوير مهارات جديدة لتولي أعمال ذكية متخصصة.

سنشهد في المستقبل بروز وانتشار المزيد من الأدوار الجديدة كالكوادر البشرية الرقمية، ومتخصصي التحول الرقمي، ومتخصصي تحليل البيانات، وخبراء الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، ومتخصصي التطوير المؤسسي والبيانات الضخمة وتقنية المعلومات، ووظائف أخرى معنية بالتطوير المستمر.

 وعلى الجانب الآخر، هناك وظائف أخرى أتوقع لها الاندثار تدريجيًا مما يفرض على الأفراد حاجة ملحة للارتقاء بمهاراتهم. وتأتي من بين تلك الوظائف: مدخلي البيانات، والمحاسبين، ومديري الحاسبات، وموظفين الرواتب، وغيرهم.

سيعزز الذكاء الاصطناعي الاقتصاد العالمي بإضافة 15 تريليون دولار بحلول عام 2030. ويختلف نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي حسب السوق. ما هي القطاعات التي ستتأثر بشكل كبير، وكيف سيفتح ذلك الأبواب لمزيد من فرص العمل؟

أرى أن أول القطاعات تأثراً سيكون قطاع صناعة السيارات حيث تتسابق الكثير من شركات تصنيع السيارات وشركات التكنولوجيا على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على تنفيذ حلم القيادة الذاتية. وتشير دراسة نشرتها وكالة كينيث الأمريكية المتخصصة في أبحاث السوق والتنبؤ بأحجام القطاعات الاقتصادية المختلفة في نوفمبر الماضي إلى أن حصة الذكاء الاصطناعي في سوق السيارات ستصل 10 مليار دولار بحلول عام 2025 موضحة أن نمو السوق يعود في المقام الأول إلى ارتفاع الطلب على السيارات الذكية وزيادة تركيز شركات صناعة السيارات على فكرة تعزيز تجربة المستخدم.

يليه قطاع صناعة الهواتف الذكية. وعلى الرغم من انحسار المنافسة في تلك الصناعة بين عدد محدود من الشركات، إلا أنها تتمتع بقدرات مالية كبيرة قد لا تتوفر لدى الصناعات الأخرى. وتأتي من بين تلك الشركات شركة آبل التي تعملُ على تصميم وتصنيع الإلكترونيات الاستهلاكية ومنتجات برامج الحاسوب وتجاوزت قيمتها السوقية تريليون دولار في عام 2018. مما يعني أن تلك الوفرة المالية ستمنح شركات التكنولوجيا العملاقة القدرة على الاستثمار المتواصل في أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطبيق التقنيات الجديدة بسرعة فائقة في أجهزتها. ولعل الاختلاف الأساسي بين الهواتف الذكية التقليدية ونظيرتها التي تستخدم الذكاء الاصطناعي هي أن الأخيرة يمكنها التعلم من بيئتها وتطوير استجابتها لأوامر المستخدمين ومعالجة البيانات بشكل أسرع بمرور الوقت.

أما عن فرص العمل، يساهم الذكاء الاصطناعي في إيجاد فرص عمل جديدة من شأنها إعادة رسم خارطة وظائف المستقبل حيث أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تغييرات ايجابية ترتقي بجودة حياة البشر. فمن المتوقع  أن تمزج وظائف المستقبل بين مهارات الآلة والبشر للتغلب على التحديات التشغيلية ومن الصعب أن نحدد ماهي الوظائف التي ستكون مطلوبة بعد عشر سنوات، إلا أن المؤشرات المبدئية تؤكد لنا أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تنمو بوتيرة غير مسبوقة لن تلغي الوظائف بدليل أن ذلك لم يحدث حتى الآن على الرغم من النمو المطرد للذكاء الاصطناعي الذي تضاعف الاستثمار فيه خلال ال18 شهر الأخيرة.

لكن، وفق نتائج "تقرير وظائف المستقبل"، الوظائف الأعلى نمواً في المستقبل ستنقسم إلى 7 مجموعات: يأتي في مقدمتها متخصصي الذكاء الاصطناعي، وعلماء المعلومات، ومساعدي وسائل الإعلام الاجتماعيين، وأنظمة الذكاء الاصطناعي وستظهر وظائف جديدة مثل علماء البيانات، ومهندسي البيانات، ومطوري البيانات الكبيرة، ومحللي البيانات، ومتخصصي التحليل، ومستشاري البيانات، ومحللي الأفكار، ومطوري أعمال أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومستشاري التحليل الاصطناعي. تتطلب تلك الوظائف مجموعة من المهارات التي يأتي في مقدمتها علم البيانات وتكنولوجيا، وتخزين البيانات، وأدوات التطوير وتعلم الآلة، والذكاء الاصطناعي، ودورة حياة تطوير البرمجيات، والتطوير الإداري،  وبرمجيات التصفح، ومحو الأمية الرقمية، وعلوم الكمبيوتر، وشبكات الكمبيوتر. تأتي الإمارات بين أفضل الدول عالميًا التي تضم وظائف الذكاء الاصطناعي حيث سجلت الإمارات 78 فرصة عمل في مجال الذكاء الاصطناعي بين كل 10000 فرصة ترتفع إلى 123 في عام 2022.

يمكن للذكاء الاصطناعي إحداث تحول جذري في الاقتصادات في منطقة الخليج والشرق الأوسط من خلال تطوير خدمات ثورية جديدة ونماذج أعمال جديدة تمامًا. أين ترى هذه البلدان في غضون 5 أو 10 سنوات، وكيف يمكنهم الاستفادة المثلى من الذكاء الاصطناعي لصقل اقتصاداتها وأدائهم الابتكاري؟

أرى أن دول الخليج تنقسم إلى مجموعتين فيما يتعلق بالتعامل مع "الذكاء الاصطناعي". المجموعة الأولي تضم الدول التي قامت فعلياً بإطلاق استراتيجيات ومشاريع طموحة للذكاء الاصطناعي وهيئات وطنية تتولى تخطيط وتنفيذ مشاريع وأهداف الذكاء الاصطناعي وتنظيم قواعد البيانات على المستوى الوطني وفي قطاعات عديدة وتضم تلك المجموعة دولتي الإمارات والسعودية. أما المجموعة الثانية تضم باقي دول الخليج التي تشجع التوجه نحو الذكاء الاصطناعي في تطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية إلا أنها مازالت في طور وضع استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي. وبغض النظر عن التفاوت في مستوى الجهود المبذولة في هذا الشأن، إلا أن جميع دول الخليج تتمتع بجاهزية عالية للذكاء الاصطناعي من ناحية البنية التحتية للاتصالات ومستوى الخدمات. الأمر الذي يشجع على إعادة النظر في أهدافها وأولوياتها في ضوء معطيات المرحلة المقبلة.

 كما تشترك دول الخليج في اتجاهاتها نحو تركيز توجهاتنا نحو تسخير قوة الذكاء الاصطناعي والبيانات في تحليل الرؤية الوطنية، وتطوير القطاعات التنموية، بصفة عامة، والتحول الاقتصادي المعرفي، بصفة خاصة.

وبالرغم من أهمية ما سبق لابد من أن تركز دول الخليج على قضايا التعليم والصحة والأمن السيبراني في المرحلة المقبلة. يساهم ذلك في ترقية تلك المواضيع خصوصاً أن جائحة كورونا كشفت عن أهمية وجود حلول تكنولوجية متقدمة لمحاربة الأوبئة وتطوير الخدمات الطبية والرعاية الصحية في المستشفيات وتفعيل التعلم عن بعد ورفع جودة التعليم التقليدي في المؤسسات التعليمية في جميع المراحل.

 ولابد أن تفعل دول الخليج العربي الهوية الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات على الإنترنت خاصة في ظل التوقعات بتسارع التحول الرقمي في كافة القطاعات بعد جائحة كورونا ولذلك يجب أن تكون المرحلة القادمة مرحلة تخطيط أهداف الذكاء الاصطناعي خاصة في ضوء تحولات أزمة كوفيد-19.

خلال حقبة Covid-19، ظهرت مهارات جديدة مطلوبة في سوق العمل، مثل مهارات التواصل والسلوك. ما هي وكيف يمكن للناس أن يتطوروا لتحقيق النجاح والقيادة في مكان العمل؟

المهارات المطلوبة لسوق العمل في ضوء الجائحة هي:

التفكير النقدي- حيث يساعد التفكير النقدي في تحليل المواقف وإيجاد حلول عملية سريعة.

الدهاء التكنولوجي- وهذا مصطلح جديدة استخدمه. ستطلب الشركات موظفين يمتلكون مهارات تقنية حيث يصبح الذكاء الاصطناعي والإنترنت والواقع الافتراضي والروبوتات جزء من بعض الوظائف سواءً كانت في مصنع أو مكتب لذا يجب أن يكون الموظف على دراية بهذه المهارات المختلفة.

التكيف والمرونة- حيث تواجه جميع الشركات التحدي المتمثل في مواكبة السرعة الفائقة للتغييرات التكنولوجية وغيرها مما يعني أن أصحاب العمل يحتاجون الموظفين ممن لديهم قدرة على التكيف وتعلم مهارات جديدة  في وقت قصير ليتمكنوا من مواكبة التطور التكنولوجي.

الإبداع والابتكار- بينما يعني الإبداع القدرة على إنتاج أفكار جديدة وفريدة من نوعها، فإن الابتكار هو تنفيذ الإبداع أي إدخال فكرة أو حل أو عملية أو منتج جديد وهذا ما تبحث عنه دائمًا الكثير من الشركات. تبحث الشركات عن الموظفين ممن لديهم قدرة على إبداع وابتكار أفكار جديدة تساعد على تطوير الشركة أو المؤسسة.

الذكاء العاطفي- لزمن ما بعد كورونا، تحتاج الشركات موظفين يمتلكون الذكاء العاطفي، والقدرة على إدراك العواطف، والتحكم فيها والتعبير عنها في الوقت المناسب، وكذلك التحكم في عواطف الآخرين.

التحول الرقمي والعلامات التجارية الشخصية: كيف يمكن للمهنيين تحسين وجودهم الرقمي والتواصل والمهارات السلوكية لجعل علاماتهم التجارية أكثر تنافسية؟

يحتاج أصحاب العلامات التجارية إلى تبني الرقمنة أو خسارة مكانتهم تدريجيًا وصولاً إلى الاندثار. فالتحول الرقمي لم يعد خيارًا أمام أصحاب العلامات بل أصبح أمر حتمي وركيزة نمو واستمرارية هذه العلامات. إذا لم يسعى أصحاب العلامات التجارية بجدية لإنجاز التحول الرقمي لن يتخطوا العقبات المتصاعدة لتلبية احتياجات العملاء وتجاوزها ولن يتمكنوا من مواكبة النظم الجديدة وسيكتفوا فقط بمشاهدة إنجازات الآخرين. لذا، عليهم تبني عقلية مبتكرة استعدادا للمستقبل. ويدعم ذلك خطوات يتخذونها لتخصيص ميزانيات محددة لاغتنام فرصة التحول الرقمي التي إن لم يغتنموها سيتخلفون عن اللحاق بركب الثورة الرقمية قريبًا.

ويدفع التحول الرقمي أصحاب العلامات التجارية إلى إعادة التفكير في هيكلة التكلفة لديهم، ومجالات الهجر، والعمليات، وطرق العمل، وبناء الهيكل التنظيمي، وحتى تغيير أدوار بعض الأشخاص لتحقيق أقصى استفادة وعدم المخاطرة بالتعرض للفشل نتيجة مواصلة أسلوب العمل المعتاد. ويتطلب الأمر إدارة فعالة من قِبل أصحاب العلامات التجارية والتزامًا كبيرًا بتحقيق استراتيجية التحول الرقمي داخل مؤسساتهم.

بصفتك محاضرًا لأكثر من 20 عامًا، ما هي نصيحتك لطلابك لتحقيق النجاح الوظيفي في عصر التحول الرقمي الآن؟

نصيحتي لأبنائي الطلاب أن يعلموا أن هناك ثمان تقنيات ناشئة عليهم الإلمام بها: الطباعة ثلاثية الأبعاد، والذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، وتقنية البلوك تشين، والطائرات بدون طيار، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والواقع الافتراضي. عليهم أيضًا أن يتعلموا هذه التقنيات الثمانية من خلال الدورات التدريبية وورش العمل والتعلم المستمر.  

لابد من أن يتدربوا على استعمال أجهزة الكمبيوتر، وإدارة الشبكات، ويتعرفوا على قواعد المعلومات، وكافة المعلومات اللازمة للعمل وتوجيه الإدارة الرقمية بشكل سليم.

وأخيرًا، عليهم البحث عن معاهد أو مراكز تدريب متخصصة رائدة في تلك المجالات وعليهم أيضًا نشر ثقافة الرقمنة أو التحول الرقمي ووسائل استخدامها بين جميع أفراد المجتمع.

الأكثر قراءة