سلطان كراني: جوجل ومنصات التواصل الاجتماعي هم "السيرة الذاتية" اليوم

image

عندما يبدأ الإنسان في البحث عن "قدوة" لمتابعتها وتقليدها والتأسي بها يطمح إلى أن تكون تلك القدوة شخصية إيجابية وناجحة للاستفادة من تجربتها الشخصية والمهنية بهدف تطوير الذات والقدرات وتحديد الرغبات والاتجاهات لضمان تحقيق النجاح مستقبلاً.

وما من شخص أفضل من "سلطان كراني" ليكون قدوة لنا.

سلطان كراني هو نموذج إماراتي لم يكتف بالتخصص في مجال واحد فقط، وسعى إلى تنويع ثقافاته وشحذ مهاراته، وتوجه إلى مجالات التصوير الفوتوغرافي، والتنمية البشرية، والسياحة، والقانون، فضلاً عن تخصصه في مجال الجيولوجيا وعمله في مجال النفط والغاز لما يزيد عن 20 عاماً.

سيقودك حوارنا اليوم مع هذه الشخصية الفريدة نحو التميز ويثري خبراتك المهنية بدروس عديدة قيّمة.

هل تعتقد أن ظهور "فيروس كورونا" غيَر المشهد تماماً في سوق العمل؟ كيف تأثرت الشركات والأفراد، في رأيك؟

بالتأكيد، لا يخفى على الجميع تأثر الشركات والأفراد على حدٍ سواء بظهور فيروس كورونا. ولكن، أستطيع القول أن القرارات المترتبة على ظهور الوباء كان لها أثر أكبر بكثير من ظهور الوباء نفسه. انقسمت الشركات في العالم إلى قسمين: شركات اتخذت قرارات أكثر قساوة، وشركات تعاملت مع الأمر بهدوء أكبر وبدون ردة فعل مبالغ فيها. ولكن، في كل الأحوال الجميع تأثر، خاصةً الشركات التي كانت تسير على الأنظمة التقليدية.

بالنسبة للأفراد، أرى أنهم كانوا أقل تأثراً من الشركات لما لديهم من خيارات أخرى عديدة. إذا قل راتب فرد أو تم تسريحه من العمل، مثلاً، فلديه خيارات أخرى مستقبلاً؛ كأن يعود لبلده، إذا كان غير إماراتي، أو أن يبحث عن وظيفة أخرى براتب أقل حتى وإن كانت مؤقتة.

لكن الشركات، خاصةً تلك التي لم تتوقع حدوث أزمة أو تغييرات عالمية بسبب بفيروس أو غيره، هي التي تأثرت بشكل أكبر وتعافيها سيكون أكثر تعقيداً.

إذا استبعدنا تسريح الموظفين، كيف يُمكن للشركات تجاوز هذه الأزمة العالمية؟ وبماذا تنصح من فقدوا وظائفهم؟

للأسف، يُعد تسريح الموظفين إحدى الخيارات السهلة التي تلجأ لها الشركات، خاصةً في الأزمات المالية العالمية. ولكن، أرى أن هذا الخيار من الخيارات السريعة شديدة التأثير، لأن عند تسريح الموظفين ستكون هناك أدوار وظيفية شاغرة كثيرة في الشركة. وبمجرد تعافي السوق، تبدأ الشركات في البحث من جديد عما كان لديهم من موظفين ذوي كفاءة ... وهذا أمر صعب!

دائماً ما أقول أنه من السهل جداً العثور على موظفين، ولكن من الصعب العثور على موظفين مختصين ذوي خبرة في المجال نفسه وكفاءات تستطيع التعامل مع بعضها البعض.

للأسف، كثير من الشركات لم يتعلموا مما أحدث أثناء الأزمة الاقتصادية عام 2008 ولجأوا بشكل سريع لتسريح الموظفين بدلاً من الخيارات الأخرى.

شهدنا جميعاً ما حدث خلال عامي 2010 و2011 عندما بدأ السوق يتعافى، عثرت الشركات على كثير من الموظفين لكنهم لم يتمتعوا بقدر من الكفاءة والخبرة يعادل مستوى كفاءة وخبرة من تم تسريحهم.

أما بالنسبة للموظفين، هذا خيار صعب جداً! لابد أن يضع الموظف في اعتباره دائماً أنه مهما كانت الشركة تعتمد عليه، قد يُسرح لأي سبب أو قد يتم إغلاق الشركة نهائياً لأي سبب. لذا، لابد أن يكون لديه دائماً خيار آخر (وهو ما نسميه plan B)؛ أن يكون لديه عمله الخاص، أو مصدر دخل آخر، أو بعض الأفكار لاستغلالها في أوقات الأزمات. وعلينا أن نتذكر دائماً أن الأمور لن تظل سيئة للأبد.

يُمَكن حفاظ الموظف على الإنتاجية دائماً، حتى إن لم يُكن لديه وظيفة، من اكتساب خبرات ومهارات جديدة لتصبح نقاط قوة لديه عند العودة للعمل مرة أخرى.

درست الجيولوجيا، والتنمية البشرية، والسياحة، والقانون، وشؤون البيئة. ما السبب وراء اختيار تلك التخصصات في مختلف المجالات؟

السبب بسيط جداً ويتمثل في أن الإنسان إذا تخصص في مجال واحد وحقق أعلى مستويات الإبداع به، هناك دائمًا احتمال ألا يشهد هذا المجال طلباً يوماً ما. وحسب تقارير استشراف المستقبل واستشراف وظائف المستقبل، هناك الكثير من الوظائف المطلوبة حالياً ولن تكون مطلوبة مستقبلاً، مثل: وظيفة المزارع والمدرس وغيرها.

بمعنى آخر، أنا اخترت تخصصات مختلفة لاختلاف الرغبات في سوق العمل. من الممكن أن أتخصص لمدة 20 عاماً في مجال الجيولوجيا، ولكن إذا طرأ أمراً ما ولم يصبح هذا التخصص مطلوب سأجد نفسي في ورطة. ولكن عند تخصصي في عدة مجالات لمدة 20 عام سيكون لدي خيارات مختلفة يمكنني من خلالها الانتقال من وظيفة إلى وظيفة أخرى حسب سوق العمل في حالات الأزمات.

تُعد"الثقة بالنفس" أحد العوامل الرئيسية التي تدفع الشخص لاتخاذ القرار بالخروج من "منطقة الراحة" وبدء تجربة جديدة مهنياً أو علمياً أو حتى شخصياً.. كمتخصص في مجال التنمية البشرية، بم تنصح الجيل الجديد ليتمتع بالقدر الكافي من الثقة بالنفس لمواجهة أي شيء وأي شخص دون قلق زائد؟ وما هو مصدر ثقتك دائماً؟

لا تُكتسب الثقة بالنفس من خلال الدراسة، بل تُكتسب من خلال العمل والتدريب العملي واتخاذ الشخص زمام المبادرة دائماً. بمعنى، إذا كنت موظفاً ولا أُبادر في طرح الأفكار أو تنفيذها أو استغلال وقتي في العمل، لن أثق بنفسي.

هناك الكثير من الموظفين ممن يعملون لمدة 15-20 عام ولا ينجز أحدهم عملاً دون أن يُطلب منه، ولا يمكنه طرح الأفكار لأنه لا يتمتع بقدر كافٍ من  الثقة بالنفس. لماذا؟ لأنه لم يجرب، ولم يخطئ،، ولم يتعرض لجميع المواقف فبالتالي لم يكتسب الثقة.

وهذا أيضًا ينطبق على الطالب في مرحلة الدراسة الجامعية. إنها مرحلة تجارب؛ يستطيع الطالب أن يجرب و يخطئ، ويجرب و يخطئ، حتى يكتسب الثقة بنفسه.

ولكن، إذا استمر الموظف على العمل الروتيني ولم يجرب التفكير خارج الصندوق سيظل دائماً حبيس أفكار الآخرين.

 عندما سُألت عن سبب حرصك على التواجد على منصات التواصل الاجتماعي ونشر صورك، بعيداً عن الخوف من مسألة الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للصورة، أجبت: "من الضروري أن أشارك بعضاً من صوري في مواقع التواصل، لسببين: الأول الحصول على تعليقات الخبراء والاستفادة من ملاحظاتهم ونقدهم البناء، والسبب الآخر تعريف الناس بأنني ما زلت أمارس هوايتي وأنني على استعداد لتقديم خدماتي في هذا المجال بمقابل".

في هذا السياق:

  • ما أهمية النقد في تحقيق النجاح؟ وبم تنصح أولئك ممن لا يتقبلون نقد الآخر؟
كما يقال، السوق عرض وطلب. لا يستطيع الإنسان أن يحقق أي ربح أو نجاح دون توافر الركن الآخر من أركان النجاح وهو الزبائن. وفي عالمنا الافتراضي حالياً، جزء من الزبائن هم الزبائن الافتراضيين أو الزبائن على منصات التواصل الاجتماعي.

مثلا، إذا نشرت صورة فوتوغرافية وأعجب بها مائة شخص، بينما نشر شخص آخر صورة بالمستوى ذاته وأعجب بصورته مائة ألف شخص. بالتأكيد، المائة ألف أفضل من المائة.

كلما زاد عدد المعجبين زادت قيمة الصورة (المنتج). لذا، دائماً من يستطيع إرضاء أكبر نسبة من الناس هو من درس السوق، ودرس آراء الناس وأذواقهم، ويستطيع من خلال النقد معرفة ما يحتاجه السوق وما هي المنتجات التي تجذب انتباه الناس، ومن ثم يمكنه تهيئة منتجاته أو خدماته بما يتماشى مع متطلبات الآخرين.

لذا، الشخص الذي لا يهتم برأي الآخرين، سواءً كانوا افتراضيين أو واقعيين، لن يواكب السوق ولن يستطيع تطوير منتجاته وخدماته. 

  • كيف يستطيع الشخص تحويل شغفه أو هوايته إلى وظيفة يتقاضى مقابلها أجراً؟
يستطيع الشخص تحويل شغفه أو هوايته إلى وظيفة يتقاضى مقابلها أجراً من خلال طريقة واحدة، وهي: "إتقان ما يفعله."

إذا افترضنا أن هناك شخص يتمتع بشغف في الكتابة، فعليه أن يتقن ما يفعله، ومن ثم يُمكنه عرض منتجه أو خدمته للشركات أو الرعاة أو حتى للزبائن بشكل مباشر.

هناك الكثير ممن حققوا ثراءً ونجاحاً مالياً كبيراً فقط من خلال إتقان هواياتهم.

ولن يستطيع الإنسان إتقان أي شيء دون وجود الشغف. هذا الشغف هو الوقود الذي يحرك الإنسان ويدفعه لتحقيق المزيد من التقدم وتخطي جميع الصعاب والمشكلات التي تواجهه.

كيف ساعدك التواجد على منصات التواصل الاجتماعي خلال رحلتك المهنية؟ وبماذا تنصح مستخدمي الإنترنت للحفاظ على هوية رقمية قوية تجلب لهم الفرص؟

ساعدني تواجدي على منصات التواصل الاجتماعي في تعريف الآخرين بما أقوم به. نحن في زمن "الدعاية" سواءً كانت شخصية أو تجارية. في زمننا هذا، أرى أن منصات التواصل الاجتماعي وجوجل هم سيرة الشخص الذاتية.

انقضى الآن زمن تقديم السيرة الذاتية عند التقديم للحصول على وظيفة. الآن منصات التواصل الاجتماعي وجوجل هي ما تحدد ماهية الشخص وخبرته وقدرته على إقناع الشركات.

الآن، عندما أقدم محاضرة، مثلاً، لا يقتنع الناس بما أقوله عن نفسي (أنا حاصل على شهادة كذا، وعضو في كذا، إلخ)

دائماً ما يتجهون إلى جوجل ويبحثون عن اسم "سلطان كراني" ومن خلال جوجل ومنصات التواصل الاجتماعي يستطيعون معرفة من هو سلطان؟ وما إنجازاته؟ وكيف يمكنني الاستفادة منه؟

لذا، منصات التواصل الاجتماعي وجوجل هم السيرة الذاتية للإنسان الآن.

ذكرت في "فيديو" على منصة "لينكد إن" بأن هناك الكثير من الأشخاص اليوم لديهم هواية "جمع الشهادات" وأكدت أن القيمة في المعلومة وكيفية الاستفادة منها لا في عدد الشهادات. بعيداً عن الدورات التدريبية، ما سُبل التعلم الأخرى التي يمكن أن تصقل مهاراتنا؟

أنا لم أقصد أن يتجنب الأفراد الدورات التدريبية عبر الإنترنت تماماً. ولكن، ما أقصده هو أن يبحث الأشخاص عن كيفية استغلال المعلومات لصالحهم أكثر من السعي وراء الحصول على الشهادات. لا تنظر الشركات إلى كم الشهادات بل تنظر إلى كيفية الاستفادة من تلك المعلومات وتحويلها إلى خبرة ومنتج.

 لذا، أرى أنه لابد من انتقاء الدورات التي تساعد الشخص في وظيفته. إن كنت أعمل في مجال الإعلانات والدعاية، مثلاً، لا حاجة لي لحضور دورات في تخصص الأمن الغذائي لأنها لن تفيدني في مجالي، إلا إذا كنت أرغب في تعلم شيء جديد من البداية.

 لا تُفيد تلك الدورات التدريبية، إن كان حضورها من أجل الحضور فقط، الفرد ولا المجتمع.

يضم تاريخك العديد من المشاركات التطوعية والجوائز كمتطوع مؤثر... ما أهمية التطوع للفرد والمجتمع؟ وهل تتذكر أن هناك درساً أو مهارة تعلمتها أثناء التطوع وكانت نقطة قوة لك في حياتك المهنية؟

أحمد الله على تاريخي الطويل في مجال التطوع ودائماً ما أقول إن التطوع يعود بالفائدة على الفرد أكثر منه على الشركات أو المجتمع.

كيف؟ يصقل المتطوع، من خلال تطوعه، مهاراته: مهارات تنظيم الوقت، مهارات التواصل، مهارات تنظيم الفعاليات، حتى مهارات الإدارة المالية. يمنح التطوع الفرصة "مجاناً" للشخص لشحذ مهاراته.

مثلا: قبل عشر سنوات، ألقيت أول محاضرة أمام جمهور عدده حوالي 150 شخص في أبوظبي وكانت محاضرة تطوعية. مكنني التطوع، في هذه الحالة، من كسر حاجز الخوف وجعلني أقف وأتحدث أمام الآخرين بكل جرأة. بلا شك، أخطأت ولكن مع مرور الوقت تمكنت من إصلاح تلك الأخطاء وساعدني التطوع كثيراً خلال عملي حيث يحتاج عملي إلى التحدث أمام الآخرين.

لذا، أؤكد مرة أخرى أن التطوع هو فرصة مجانية تمكن الأفراد من صقل مهاراتهم وفقاً لمجالات عملهم المختلفة.

كمواطن إماراتي يتمتع بما يزيد عن عشرون عاماً من الخبرة في مجال النفط،

  • ما أوجه الاختلاف بين سوق العمل منذ 10 سنوات وسوق العمل حالياً؟ وما المهارات المطلوبة الآن والتي سيرتفع الطلب عليها مستقبلاً؟
لا شك أن سوق العمل دائم التغير دائماً. وحتى ما نعيشه حالياً سيتغير بعد 10 سنوات.

وفقاً لما قرأته من تقارير وما لدي من خبرات، أرى أن المستقبل سيكون لمجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ولكن، لا ينبغي إهمال أهمية التعامل الإنساني.

أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يلعب الآن دوراً هاماً في التوظيف خاصةً عند الحديث عن المواقع الإلكترونية والتطبيقات، وأرى أنه من الآن فصاعداً ستتغير مجريات الأمور تماماً، سواءً في مجال النفط أو غيره، وستكون الريادة للمجالات التقنية.

  • ما الوظائف التي ستشهد ازدهاراً في المستقبل؟
هناك العديد من التأثيرات لجائحة كورونا. وبعضها تأتي في مجال التوظيف وهي ثانوية ولكنها قوية. وواحدة من تلك التأثيرات التي قلما ذكرت إعلامياً هو "التأثير النفسي". سيكون هناك دور عظيم للأطباء النفسيين خلال الفترة القادمة نظراً لارتفاع معدلات التعامل مع الشاشات مما سيؤدي لبعض الاضطرابات والمشاكل النفسية للأفراد كباراً كانوا أو صغاراً.

لذا، أرى أن دور الدعم النفسي والاجتماعي المقدم من الاستشاريين والأطباء النفسيين سيبرز بدءً من الآن حيث العديد ممن يعانون من الاكتئاب وعدم الرضى.

 ما هي أهدافك المستقبلية وفي أي مجال ستكون شهادتك السادسة؟

هناك هدفين رئيسيين أسعى لتحقيقهما:

أولاً: الاتجاه إلى مجال "الكتابة". وهذا هدف بعيد المدى حيث وظيفتي الحالي وانشغالي بالعمل. لذا، سأبدأ في تلك المرحلة بعد التقاعد وستضمن كتاباتي جميع ما يتعلق بخبرتي العملية والحياتية.

ثانياً: لدي شغف كبير أن أتعمق أكثر في مجال "القانون" وهذا تحدي وضعته لنفسي. أصبح القانون مجال خصب عليّ أن أطور نفسي به؛ فهو لا يقتصر فقط على القانونيين، بل أصبح جزء من حياة الفرد في مجتمع دولة الإمارات وأي دولة في العالم.

يتمنى د.جوب برو للسيد/ سلطان كراني مزيدًا من النجاح والسّيرِ على درب التألّق !

الأكثر قراءة